في واحدة من أكثر الليالي ترقّبًا في تاريخ باريس سان جيرمان الأوروبي، يستعد الفريق الباريسي لاستضافة آرسنال في لقاء الإياب من نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، بعد أن عاد من ملعب الإمارات بانتصار ثمين بهدف نظيف. ورغم الأهمية والفائدة من اللقاء وثقله، جاء القرار المفاجئ من المدرب لويس إنريكي بإبقاء النجم الفرنسي عثمان ديمبيلي على دكة البدلاء، رغم تعافيه الظاهري ومشاركته في الحصص التدريبية الأخيرة. هذا القرار لم يكن عشوائيًا، بل كان نتاج حسابات دقيقة اتخذت طابع الحذر والواقعية أكثر من المجازفة.
ديمبيلي، الذي أثبت في أكثر من مناسبة أنه لاعب يمكنه إحداث الفارق في المباريات الكبيرة، تعرض لإصابة في عضلة الفخذ اليمنى خلال مباراة الذهاب ضد آرسنال. ورغم الجهود المبذولة في تأهيله خلال الأيام التي تلت اللقاء، لم يتم الدفع به في مباراة الدوري المحلي أمام ستراسبورغ، وهي إشارة أولى إلى أن الطاقم الفني يتعامل مع إصابته بحذر بالغ. فعلى الرغـم من ان الفحوصات الطبية أكدت جاهزيته للمشاركة، إلا أن الرؤية الفنية كانت تميل نحو حماية اللاعب ومنح الأولوية للسلامة البدنية على حساب المخاطرة، بـالاخـص في هذا التوقيت الحاسم من الموسم.
قرار لويس إنريكي لم يكن سهلاً، إذ تشير المصادر إلى أنه تردد كثيرًا قبل أن يحسم أمره في الساعات الأخيرة. لكن عندما تتعلّق الأمور بلاعب يُعد من الركائز الأساسية في التشكيلة، فإن إشراكه وهو بـحـال بدنية غير مثالية قد يحمل مخاطرة مضاعفة: من جهة قد لا يقدم المستوى المنتظر منه، ومن نــاحية ثانية ربـما تزيادة الإصابة وتؤدي إلى غيابه النهائي عن ما تبقى من المشوار الأوروبي في حال تأهل الفريق إلى النهائي. لهذا كان القرار مدروسًا ومتزنًا: الإبقاء على ديمبيلي كورقة رابحة يمكن الزج بها في الشوط الثاني أو اللحظات الحاسمة إذا ما تطلبت ظروف المباراة ذلك.
يعكس هذا القرار نضجًا في تعاطي الطاقم الفني مع إدارة المجموعة، حيث يتم النظر إلى اللاعب ليس فقط كأداة فنية حاضرة للمباراة، بل كاستثمار طويل الأمد يجب الحفاظ عليه. وقد اعتدنا في كرة القدم الحديثة أن لا يُنظر إلى النجوم فقط من زاوية عطائهم اللحظي، بل من خلال الاستراتيجية العامة التي تحكم تسيير الفريق ومواصلة مشواره في مختلف المنافسات. فالفوز بلقب دوري الأبطال لا يعتمد فقط على مهارة الأفراد، بل على مدى جاهزيتهم الذهنية والبدنية، وعلى حسن إدارة الأزمات والمواقف الحرجة.
ومن زاوية أخرى، فإن غياب ديمبيلي عن التشكيلة الأساسية يمنح الفرصة للاعبين آخرين لإثبات قدراتهم، مما يعزز من تنافسية الفريق ويمنح المدرب حلولًا متنوعة داخل الميدان. كما أن وجوده على دكة البدلاء لا يعني بالضرورة غيابه الكامل عن التأثير في مجريات اللقاء، بل قد يكون حضوره في الدقائق الأخيرة أكثر فاعلية حين يكون الدفاع الإنجليزي قد استُنزف بدنيًا وذهنيًا.
نهايـة المطاف، يبقى قرار استبعاد ديمبيلي من التشكيلة الأساسية في هذا التوقيت رسالة متضحة: النجاح في البطولات الكبرى لا يتحقق فقط بالنجوم، بل بالعقلانية، والقرارات الصائبة في الوقت المناسب. وها هو باريس سان جيرمان، في طريقه نحو نهائي جديد محتمل، يثبت أنه يملك لا فقط الإمكانيات الفنية، بل كذلك البصيرة الفنية التي ربـما تصنع الفارق حين تحين ساعة الحسم.
جميع الحقوق محفوظة لموقع امجدل التعليمي الشامل
Copyright ©2019-2025, medjedel.com