حين هبطت ماريا في مطار نيويورك لاول مرة كانت السماء رمادية كانها تعكس ضياعها . خرجت من الطائرة و هي تحمل حقيبة ثقيلة ليست فقط بالامتعة بل بالاحلام التي جمعتها على طـول و مـدى سنوات و الامل في مستقبل اكثر إشراقا . لم يكن لديها سوى القليل من المال و الكثير من الطموح .
في مكان آخر و صلت جوليانا إلى المدينة بنفس الحلم لكن بقلب مثقل بالغربة . كانت نيويورك اشبه بوحش ضخم يبتلع الضعفاء لكنها رفضت ان تكون و احدة منهم .
لم يكن لقاؤهما مخططا . التقيا في شركة صغيرة للتسويق الرقمي حيث تم تعيينهما في اليوم نفسه . كانت ماريا تجلس و حدها داخل قاعة الاجتماعات تحاول استيعاب المكان الجديد حين اقتربت منها جوليانا و مدت يدها قائلة
انا جوليانا جديدة هنا ايضا هل يمكنني الجلوس معك ؟
ابتسمت ماريا و اومات براسها . لم يكن ذلك مجرد مقعد فارغ ملاته جوليانا بل كان فراغا في حياتها امتلا بشخص سيصبح اقرب إليها من اي احد آخر .
الصداقة التي كانت كالعائلة
لم يمض و قت طويل حتى اصبحتا لا تفترقان . كانتا تذهبان إلى العمل معا تشربان القهوة في نفس المقهى الصغير عند ناصية الشارع و تتشاركان و جبات الطعام في شقتهما الصغيرة التي استاجرتاها معا بعد بضعة اشهر من التعارف .
في الليالي الباردة كانت ماريا تطهو حساءها البرازيلي المفضل بينما كانت جوليانا تضع الموسيقى و تحكي قصصا عن طفولتها في بوينس آيرس . كانتا تضحكان لساعات تحلمان بشراء منزل خاص بهما يوما ما تحلمان بالحرية بالامان و بمكان لا تضطران فيه للقتال يوميا من اجل البقاء .
كانت ماريا تعتبر جوليانا اختا لم تكن لها من قبل . كانت تثق بها اكثر مما تثق باي شخص آخر و ربما اكثر مما ينبغي .
بذور الخيانة التي نمت بصمت
لكن الحياة نادرا ما تكون عادلة . بعد سنوات من العمل في الشركة بدا الحظ يبتسم لجوليانا اكثر من ماريا . حصلت على ترقية كبيرة و صارت قريبة من المديرين التنفيذيين . لم يكن هذا هو الامر الذي آلم ماريا بل كان تغير صديقتها التدريجي الذي بدا كظل خفيف ثم تحول إلى جدار سميك يفصل بينهما .
اصبحت جوليانا تتاخر في العودة إلى المنزل . لم تعد تخبر ماريا عن تفاصيل يومها كما كانت تفعل من قبل . بدات الاجتماعات مع المديرين تتحول إلى سهرات في المطاعم الفاخرة و اصبحت ضحكاتها الجديدة ليست موجهة لماريا بل لآخرين في اماكن لا تعرفها ماريا .
و بيوم من الايام عادت ماريا إلى الشقة و و جدت جوليانا تتكلم هاتفيا بصوت خافت . حين سالتها ماريا عن الامر اكتفت جوليانا بقول
مجرد عمل لا شيء مهم .
لكن ماريا شعرت ان هناك شيئا ما يتغير شيئا لم تستطع و ضع يدها عليه لكنه خيفها .
الطعنة التي لم تتوقعها
لم يمض و قت طويل قبل ان تجد ماريا نفسها داخل قاعة الاجتماعات محاطة بوجوه باردة و عيون لم تكن تتوقع ان تخونها . كان المدير التنفيذي جالسا امامها و إلى جانبه جوليانا التي لم ترفع نظرها عن الورق الذي تحمله .
ماريا يؤسفنا ان نبلغك ان ادائك في العمل لم يعد بالمستوى المطلوب . علينا إنهاء عقدك .
كادت ماريا تضحك بسخرية . اداؤها ؟ هي التي كانت تعمل حتى ساعات متاخرة هي التي انقذت مشروعات من الفشل كيف يمكن ان يكون اداؤها غير كاف ؟
لكن الادهى من ذلك كان صمت جوليانا . كانت تلك المراة التي و عدتها بان تبقى إلى جانبها تجلس هناك دون ان تنبس ببنت شفة . لم تحاول حتى الدفاع عنها لم تقل كلمة و احدة لإنصافها .
حين انتهى الاجتماع خرجت ماريا بخطوات ثقيلة . لم تلحق بها جوليانا لم تحاول حتى مواساتها . لقد انتهى كل شيء بلحظة و احدة .
ليلة و داع الصداقة
في تلك الليلة عادت ماريا إلى الشقة نظرت حولها إلى كل شيء تقاسمته مع صديقتها . الملابس التي كانت تتبادلانها الصور التي التقطتاها الكتب التي كانت كل و احدة منهما تقراها ثم تناقشها مع الاخرى .
حين فتحت جوليانا الباب كانت ماريا تنتظرها . نظرت إليها بعينين لم تعد تحملان الحب او الثقة فقط الالم .
لماذا جوليانا ؟ لماذا فعلت هذا بي ؟
تنهدت جوليانا بدت و كانها تبحث عن كلمات تبرر بها فعلتها لكنها لم تجد شيئا سوى جملة و احدة باردة كصوت الريح في ليلة شتوية
إنها مجرد اعمال ماريا . لم يكن لدي خيار آخر .
ضحكت ماريا لكنها لم تكن ضحكة سعيدة بل كانت اقرب إلى شهقة الم إلى سخرية من سذاجتها في تصديق ان الصداقة يمكن ان تكون اقوى من الطموح .
في الصباح غادرت ماريا الشقة . لم تاخذ كل اغراضها فقط بعض الملابس و كتابا كانت تقراه في الايام التي كانت تؤمن فيها ان جوليانا ستكون دائما بجانبها .
النجاة بعد العاصفة
مرت الشهور و تمكنت ماريا من الوقوف على قدميها مجددا . حصلت على و ظيفة افضل التقت باشخاص جدد و عرفت ان الخيانة لا تعني النهاية بل بداية لفصل جديد .
اما جوليانا فقد استمرت في الصعود لكن الحياة لا تنسى الديون العاطفية . بعد عام و جدت نفسها في نفس الموقف حين تعرضت للخيانة من زميل آخر شخص و ثقت به كما و ثقت بها ماريا .
حاولت الاتصال بماريا ان تخبرها بانها تفهم الآن بانها آسفة لكنها حين سمعت صوتها لم تجد ماريا تلك اللهفة القديمة لسماعها .
جوليانا لقد سامحتك لكنني لم اعد بحاجة إلى و جودك في حياتي .
كانت هذه آخر الكلمات بينهما قبل ان يطوي النسيان صفحة صداقة كانت جميلة لكنها انتهت باسوا طريقة ممكنة .
الخاتمة دروس من الالم
لم تعد ماريا تفكر كثيرا في الماضي لكنها تعلمت شيئا و احدا ليس كل من يشاركك الطريق سيكمله معك حتى النهاية . البعض يسقط عند اول منعطف و البعض الآخر يتركك عندما يجد طريقا افضل .
لكن الاهم من ذلك انها تعلمت كيف تمضي رغم الالم رغم الخذلان . تعلمت ان بعض العلاقات يجب ان تنتهي حتى تتمكن من العثور على نفسها من جديد .
حين تصلح الدموع ما كسرته الخيانة
رسالة لم تتوقعها
مرت ثلاث سنوات منذ ان اغلقت ماريا الهاتف في و جه جوليانا . ثلاث سنوات منذ ان قررت انها لن تعود إلى الماضي و لن تسمح للالم القديم بان يمسك بيدها مرة اخرى .
كانت حياتها الآن مستقرة . لديها و ظيفة رائعة في شركة تسويق كبرى شقة صغيرة لكنها مليئة بالدفء و اصدقاء جدد يعاملونها بمودة حقيقية . ظنت انها تجاوزت كل شيء ان جرحها التام بالكامل لكن القدر خبئ لها مفاجاة لم تتوقعها .
ذات مساء بينما كانت تحتسي قهوتها امام نافذتها و صلتها رسالة على بريدها الإلكتروني . كانت من جوليانا . ترددت في فتحها لكن قلبها سبق عقلها و ضغطت على الرسالة .
ماريا اعلم انني آخر شخص ربـما ترغبين في سماع صوته لكنني بحاجة إليك . احتاج ان اراك و لو لمرة و احدة . هناك اشياء يجب ان اقولها لك اشياء لم اقلها من قبل . ساكون في المقهى القديم غدا في السادسة مساء . إذا لم تاتي سافهم . لكنني اتمنى اتمنى ان تفكري في الامر . جوليانا .
حبست ماريا انفاسها . مرت لحظات و هي تحدق في الشاشة تشعر بثقل الكلمات على قلبها . لماذا الآن ؟ لماذا بعد كل هذه السنوات ؟ هل يمكن ان تعود إلى تلك الصفحة التي اغلقتها بصعوبة ؟
لم تنم تلك الليلة . استلقت على سريرها تتقلب بين الذكريات بين الضحكات التي كانت تملا شقتهما الصغيرة و بين الدموع التي انهمرت في آخر ليلة لهما معا . كانت مشاعرها خليطا معقدا من الغضب و الحنين و الخوف من ان تضعف امام صديقتها السابقة .
لقاء العيون و الدموع الحبيسة
في مساء اليوم التالي و جدت ماريا نفسها تسير نحو المقهى القديم . كانت اصابعها باردة رغم دفء الطقس و كانت خطواتها بطيئة كانها تخشى مواجهة الماضي .
حين دخلت و قعت عيناها على جوليانا التي كانت تجلس في ركن بعيد تحرك الملعقة في كوب القهوة دون اهتمام . بدت مختلفة اكثر نحافة اقل و هجا . و حين رفعت راسها و رات ماريا لم تستطع إخفاء الدموع التي لمعت في عينيها .
تقدمت ماريا و جلست بصمت . للحظات لم تقل اي منهما شيئا . كان هناك جدار من الصمت لكنه لم يكن صمتا عاديا بل كان مليئا بالكلمات التي لم تقل بالالم الذي لم ينس و بالذكريات التي لم تمح .
تنفست جوليانا بصعوبة قبل ان تقول بصوت مبحوح
شكرا لانك اتيت .
نظرت إليها ماريا طويلا و كانها تحاول قراءة ملامحها ثم قالت بهدوء
لم اكن متاكدة إن كان علي المجيء .
اومات جوليانا براسها و كانها تتفهم ذلك تماما . اخذت نفسا عميقا و قالت
انا آسفة ماريا . اعلم ان الاعتذار الآن قد لا يعني لك شيئا لكنه الشيء الوحيد الذي املكه . لقد كنت اهم شخص في حياتي لكنني خذلتك . لم ادرك عندها كم كنت تعنين لي حتى فقدتك حتى فقدت نفسي ايضا .
لم ترد ماريا على الفور . كانت الكلمات تتصارع داخلها بين القلب الذي ريد التصديق و العقل الذي يذكرها بما حدث .
لماذا الآن جوليانا ؟ لماذا بعد كل هذه السنوات ؟
اغمضت جوليانا عينيها للحظة و كانها تجمع شجاعتها ثم قالت بصوت مرتجف
لانني لم اعد استطيع العيش مع الذنب . لانني اخيرا فهمت ما يعنيه ان تخسر شخصا بسبب طعنة انت من و جهها . ماريا لقد خسرت كل شيء بعدك . نعم حصلت على النجاح الذي كنت اعتقد انه الاهم لكنني دفعت ثمنه و حدي . لم يكن هناك احد بجانبي عندما انهرت عندما و جدت نفسي و حيدة في مدينة مليئة بالناس .
ارتعشت شفتا ماريا و شعرت بوخزة داخل قلبها . لم تكن تتوقع ان تسمع هذا الاعتراف هذا الضعف في صوت جوليانا التي كانت دوما قوية و و اثقة .
ثم و لاول مرة منذ سنوات سمحت لنفسها بان ترى صديقتها القديمة لا المراة التي خانتها بل الفتاة التي كانت تضحك معها في ليالي الشتاء التي كانت تمسك بيدها عندما تشعر بالوحدة التي كانت جزءا من حياتها اكثر مما ارادت ان تعترف به .
لحظة الجبر و الانكسار
لم تعرف متى بدات دموعها تسقط لكنها شعرت بها على و جنتيها قبل ان ترفع يدها و تمسحها بسرعة . حاولت ان تقول شيئا لكن الكلمات خرجت بصوت مخنوق
لقد آذيتني كثيرا جوليانا لم يكن مجرد عمل لم يكن مجرد قرار مهني لقد كنت عائلتي و كنت اظن اننا سنظل كذلك إلى الابد .
اغمضت جوليانا عينيها و بدات دموعها تسقط ايضا . ثم و لاول مرة منذ تلك الليلة الباردة التي افترقتا فيها مدت يدها عبر الطاولة و امسكت بيد ماريا .
انا لن اطلب منك ان تنسي و لا ان تثقي بي مجددا . كل ما اطلبه هو فرصة فرصة لان اكون على الاقل جزءا صغيرا من حياتك مجددا باي شكل تختارينه .
نظرت ماريا إلى يد صديقتها التي كانت ترتجف . شعرت بحرارة لم تشعر بها منذ زمن طويل . شعرت بالالم لكنه كان ممزوجا بالحنين بالخوف و بشيء آخر لم تعرف اسمه لكنه جعلها تضغط على يد جوليانا برفق .
لا اعرف إن كنت استطيع ان انسى لكنني اعتقد انني مستعدة لان اسامح .
و حين قالت ذلك شعرت و كان ثقلا جثم على صدرها ربـما توارى .
الحياة تمنح فرصة ثانية دائما
لم تعودا كما كانتا من قبل لكنهما بداتا في إعادة بناء شيء جديد شيء مختلف لكنه حقيقي . اصبح لقاؤهما شهريا ثم اسبوعيا ثم عاد الضحك تدريجيا بينهما . لم يكن الامر سهلا لكنهما كانتا مستعدتين لبذل الجهد من اجل الصداقة التي لم تمت تماما بل كانت تنتظر لحظة الجبر .
و في إحدى الليالي حين كانت ماريا تمشي برفقة جوليانا تحت اضواء نيويورك نظرت إليها و قالت بابتسامة صغيرة
هل تعلمين ؟ لم اعد اكرهك بـعد الآن!! .
ضحكت جوليانا لكن دموعها لمعت في عينيها و هي تقول
هذا اكثر مما كنت اتمناه .
و سارتا معا هذه المرة دون ظلال الماضي التي كانت تلاحقهما فقط امراتان و جدا طريقهما إلى بعضهما من جديد بعد ان علمتهمها الحياة ان الخيانة ربـما تكسر لكنها ربـما تصلح ايضا إذا كان الحب حقيقيا بما يكفي .
جميع الحقوق محفوظة لموقع امجدل التعليمي الشامل
Copyright ©2019-2025, medjedel.com