
أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الولايات المتحدة أبلغت تل أبيب بنيّة حركة حماس إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي-الأمريكي عيدان ألكسندر، وذلك كـ"بادرة حسن نية" تجاه الأمريكيين، وفقًا لما نقلته واشنطن عن قنواتها الخاصة. هذا التطور، وإن بدا على سطحه بادرة إنسانية، فإنه يحمل في طياته أبعادًا سياسية وأمنية بالغة التعقيد، ويطرح تساؤلات غائـره و متجدره حول نوايا الأطراف المتورطة، ومآلات المفاوضات الجارية في ظل الحرب والضغوط الدولية المتزايدة.
خلفية الحدث: أسرى ومواقف متباينة
يُعد ملف الأسرى والمحتجزين من أكثر القضايا حساسية في الصراع بين إسرائيل وحماس، إذ تحتفظ الحركة بعدد من الجنود والمواطنين الإسرائيليين، بينما تحتجز إسرائيل بدورها آلاف الفلسطينيين في سجونها، بينهم أطفال ونساء وقيادات فصائلية. وقد فشلت حتى الآن محاولات متعددة في التوصل إلى اتفاق تبادل شامل، بسبب تباين مواقف الطرفين حول الأعداد والشروط.
على نفس هذا النسق، يبرز إعلان واشنطن عن احتمال إطلاق سراح عيدان ألكسندر، الجندي الذي يحمل الجنسيتين الإسرائيلية والأمريكية، كبادرة حسن نية، لا بوصفها جزءًا من اتفاق تبادل، بل كإشارة موجهة للولايات المتحدة التي تضطلع بدور رئيسي في المساعي الدولية لتهدئة الوضع في غزة، وتلعب دورًا مركزيًا في دعم إسرائيل سياسيًا وعسكريًا.
واشنطن على الخط: أهداف سياسية وإنسانية
تنظر الإدارة الأمريكية إلى ملف الرهائن كأحد أهم التحديات الإنسانية والدبلوماسية في الصراع القائم. ومنذ بداية التصعيد، مارست واشنطن ضغوطًا كبيرة على كل من تل أبيب وحماس من أجل تسهيل الإفراج عن المحتجزين، خاصة من يحملون الجنسية الأمريكية. وربـما تكون هذه البادرة من قبل حماس نتيجة مباشرة لهذه الضغوط، أو محاولة ذكية من الحركة لكسب نقاط سياسية أمام الرأي العام الدولي، وتخفيف العزلة المفروضة عليها.
التحرك الأمريكي في هذا الملف لا ينفصل عن الحسابات الداخلية للبيت الأبيض، حيث يمثل الإفراج عن مواطن أمريكي إنجازًا إنسانيًا يمكن تسويقه أمام الناخبين، خصوصًا مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية. كما أن هذه الخطوة ربـما تعزز موقف الولايات المتحدة في دورها كوسيط نزيه، رغم انحيازها المتضح لإسرائيل في نظر الكثيرين.
موقف إسرائيل: ترحيب حذر وتوظيف سياسي
من المرجـح بان ترحب الحكومة الإسرائيلية بهذه الخطوة، خـاصّه أنها تتعلق بجندي يحمل الجنسية الإسرائيلية، لكن طبيعة الرد ستكون محسوبة بدقة. فإسرائيل تسعى دائمًا إلى الظهور بمظهر الرافض لأي تفاهمات مجتزأة ربـما تضعف موقفها التفاوضي، أو تكسر فكرة "شمولية" صفقة التبادل. وبذات الوقت، فإن إطلاق سراح جندي إسرائيلي – حتى لو لم يكن بوساطة إسرائيلية – يمكن استغلاله داخليًا لتعزيز صورة الحكومة، وسط انتقادات متزايدة لأداء نتنياهو في إدارة الحرب والملف الإنساني.
حركة حماس: مناورة سياسية أم رغبة في التهدئة؟
من زاوية أخرى، يمكن النظر إلى هذه الخطوة كجزء من مناورة سياسية تقوم بها حماس في ظل تصاعد الضغوط الميدانية والمعيشية. ربمـا يكون الهدف من إطلاق الجندي هو فتح نافذة للتواصل غير المباشر مع الولايات المتحدة، أو على الأقل، إيصال رسالة مفادها أن الحركة لا تمانع التعامل الإنساني وتفصل بين خلافها مع إسرائيل والدور الأمريكي.
كما ربـما تُفهم هذه البادرة كتكتيك تفاوضي يسعى لتليين المواقف الدولية، وإظهار مرونة نسبية يمكن البناء عليها لاحقًا في مفاوضات أوسع تشمل تبادلًا للأسرى، أو هدنة مؤقتة، أو حتى تسهيلات إنسانية لغزة المنهكة.
دلالات وتداعيات محتملة
إطلاق سراح عيدان ألكسندر، إن تم فعلاً، سيكون خطوة رمزية لكنها محملة بالرسائل. فهي تعكس وجود قنوات اتصال غير مباشرة بين حماس وواشنطن، وتؤشر إلى رغبة محتملة لدى بعض الأطراف في كسر الجمود، ولو بشكل محدود. لكنها بذات الوقت ربـما تفتح الباب لردود فعل متباينة، داخل إسرائيل من جهة، وبين الفصائل الفلسطينية من نــاحية ثانية، حيث يُنظر أحيانًا إلى الخطوات الأحادية على أنها تنازل غير مبرر، أو تجاوز لسياق التفاوض الجماعي.
أما على المستوى الدولي، فربـما تساهم هذه الخطوة في تحسين صورة حماس نسبيًا أمام الرأي العام، وتمنح الولايات المتحدة فرصة لتحريك المياه الراكدة في ملف أكثر القضايا تعقيدًا في الشرق الأوسط.
تبقى النوايا الحقيقية خلف إعلان نية حماس إطلاق سراح الجندي عيدان ألكسندر رهنًا بالتطورات على الأرض. فبين بادرة حسن النية والرسائل السياسية، تبدو الخطوة جزءًا من مشهد معقد لا يمكن فصله عن سياق الحرب، ولا عن لعبة المصالح الإقليمية والدولية. مع ذلك، فإن أي تحرك في اتجاه حلحلة ملف الأسرى يُعد خطوة إيجابية – مهما كانت دوافعه – إذا ما ساهم في تقليل معاناة المدنيين، وأعاد الأمل بإمكانية الوصول إلى تفاهمات أوسع، ربـما تضع حدًا لدوامة العنف المستمرة منذ عقود.
Developed and implemented by
KICHENE_SAMIR
Copyright ©2019-2025,
medjedel.com
Medjedel@Gmail.com